رغم كل الحملات الدعائية والحيحة الإعلامية، والإستنفار من أجل حث الشباب على المشاركة في اللعبة السياسية، رغم جمعية 2007 دابا وعيوش، رغم حركة لكل الديموقراطيين والهمة، رغم الخطاب الملكي والجهد الحكومي… رغم كل هذا لم يذهب المواطنون المغاربة -خصوصا الفئة الشابة- إلى التصويت، وإمتنعوا عن الإنخراط في الأحزاب السياسية، والجمعيات المدنية. فكيف ينظر الشارع السياسي والشارع العام إلى إرتفاع نسبة المقاطعة واللامبالاة إتجاه الأمور السياسية الوطنية؟
نماذج من الشارع السياسي
في برنامج حوار قال إسماعيل العلوي إن العزوف كان للتعبير عن الشعور بالحرية الذي اصبح يحسه المواطن المغربي. أما محمد الكحص فكانت له الشجاعة ليعترف بإعتباره فاعلا سياسيا في ندوة المساء: إن المغاربة عاقبونا على ما قدمنا من عرض سياسي. آخرون يعتقدون أن الشعب ليس منزها عن الخطأ، وانه بمقاطعته للعملية الإنتخابية ساهم في وصول الإنتهازيين واصحاب المصالح الخاصة إلى مواقع التسيير والتشريع.
بالنسبة لنا، أي المواقف نصدق؟
وهل قدم لنا الفاعلون السياسيون أجوبة مقنعة؟
عن نفسي، أرى أن لكل رأي ما يبرره.
نماذج من الشارع الشعبي
في عز الحيحة الإعلامية، كنا في جلسة نتبادل أطراف الحديث مع مؤطرتنا في التداريب الميدانية حول موضوع إستحقاقات 2007، قالت المؤطرة التي تبدو عليها علامات التدين أنها لم ولن تشارك في أي إستحقاق، وبررت موقفها بجملة (ماعندهوم ما يديرو ليك، الله هو اللي تايدير…). وحين كشف موقف معاكس عن تواجه بيننا فضلت المؤطرة وقف النقاش وإستبدال لموضوع.
(م) و(ه) يعتقدان أن الإسلاميين (مزيانين) لانهم -حسب رأيهما- أبعد الناس عن الفساد والرشوة، وهذا النموذج يعبر عن شريحة واسعة تقدم المعيار الأخلاقي والإلتزام الديني لأجل إختيار المرشح الذي ستصوت لفائدته.
في حديث آخر، إعترفت (ف) أن الوالد هو من سجلها في اللوائح الأنتخابية وهو الذي دفعها لتصوت بل وإختار لها على من ستصوت.
(ه2) قالت انها ستصوت على الاتحاد الإشتراكي لأنه حسب رأيها يدافع عن قضايا المرأة. وبسرعة ثم قمعها بحجة أنهم (ما دارو والو).
(ب) قالت أنها معجبة بالكحص، وبخطابه الذي يبدو صادقا، فقلت لها هل يعني هذا أنها ستصوت على الوردة، قالت انها لا تعرف بعد إن كانت ستشارك أم لا. ثم علمت أنها لم تشارك.
(م) إدعت أنها سمعت أو قرأت عن إتهام بعض الأسماء التي كانت معارضة بالأمس وتتواجد اليوم في دواليب السلطة بالإلحاد، بل وأضافت إلى القائمة أستاذ مادة السوسيولوجيا.
وسأختم بصديقي (م) الذي لم يشارك في التصويت لأنه حسب رأيه ليس غبيا ليشارك في مسرحية سخيفة، تنتج لنا حكومة لا تحكم، وفي ظل دستور ممنوح وغير ديموقراطي.
فهل لهذه الدردشات الحقيقية أن ترشدنا في حل اللغز التالي: كيف يقرر الإنسان المغربي الشاب موقفه من الشأن العام وقضاياه؟
محاولة للفهم
إن أول إستنتاج نخرج به من النماذج السابقة هو التالي:
لا يجب وضع كل المقاطعين في سلة واحدة. فكما تختلف دوافع المصوتين تختلف أسباب المقاطعة، بعضها معقول وبعضها عبثي.
الصديق (م) رغم أنه لم يصوت في إستحقاق 2007، لكن إمتناعه أبعد ما يكون عن اللامبالاة وعدم الإكثرات، بل هو موقف نابع عن قناعة خاصة توصل إليها بعد متابعة دقيقة للمشهد السياسي في البلاد ولأمور الشأن العام، خصوصا ما تعلق بما أصبح يصطلح عليه إنتكاسة المسلسل الديموقراطي، والتأجيل غير المبرر لإصلاح الدستور.
صحيح انه موقف كلفنا إستمرار أمثال العطواني وولد العروسية في قبة البرلمان، لكن المبررات المقدمة وجيهة، وتستحق إنتباه الفاعل السياسي.
بالمقابل، إذا كنا لا نستطيع أن ننفي عن الأنسة (ف) مشاركتها في العملية السياسية، لكنها لم تكن إختيارا فرديا حرا، بل ناتجا عن ضغط أجتماعي تمثل في سلطة الأب والأسرة والقبيلة، كما قد يكون ضغطا ماليا (رشوة) أو إقتصاديا (وعد بعمل) أو أي شيء اخر (تهديد بالقوة، رمي العار، تدخل الأجنبي أو المخزن…).
ولنطرح الاسئلة التالية:
هل كل مقاطع للإستحقاق الإنتخابي غير مشارك في الشأن العام؟ وهل كل مصوت هو مشارك في العملية الإنتخابية؟
هل تختزل المشاركة السياسية كمفهوم وممارسة في رقم أو جرة قلم في معزل داخل مسجد أو مدرسة؟
ألا يعتبر موقف مريدي عبد السلام ياسين ورفاق عبد الله الحريف شكلا من اشكال المشاركة السياسية بإعتباره موقفا سياسيا له مبرراته الموضوعية بغض النظر طبعا عن صحته ودوافعه وواقعيته؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق