زهير ماعزي *
تعرف الجماعات الحضرية – الكبرى بالخصوص – حالة
اللاتوازن بين العرض والطلب في مجال السكن، مما ينتج عنه صعوبات في الولوج للحق في
السكن، خصوصا من طرف الفئات الهشة والأسر الجديدة. يمكن المساهمة في حل هذه
المشكلة عبر إجراء تشريع ضريبي جديد يقضي بتضريب المساكن الفارغة منذ ستة أشهر
على الأقل، والتي تتواجد في ملكية الخواص فوق تراب هذه الجماعات، وهو ما سنحاول
الترافع من أجله عبر هذا المقال.
إلى جانب التزاماته الدولية في إطار
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الفقرة 1 المادة 11)،
أصبح الدستور الجديد يضمن حقوق السكن اللائق لأول مرة (الفصل 31). ولا يعني
الحق في السكن الملائم أن على الحكومة أن تبني مسكناً صالحاً لكل أسرة، ولكنه يعني
أن على عاتق الحكومات مسؤوليات من أجل الإعمال التدريجي والكامل للحق في السكن. ويعتبر
جعل السكن في متناول الجميع وبكلفة معقولة هو الحد الأدنى من التزام الدول بموجب
الشرعة الدولية لحقوق الإنسان (التعليق العام رقم 4 للجنة الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية المتعلق بالحق في السكن الملائم).
جلالة الملك محمد السادس تكلم في خطبه عن السكن
اللائق، ومؤخرا تكلم عن التوزيع غير العادل
للثروة وعن مظاهر الهشاشة والفقر. ولا شك أن العديد من هذه المظاهر راجعة
لأن العمال والموظفين في المدن الكبرى لم يعودوا قادرين على دعم أسرهم الكبيرة في
المراكز الحضرية الصغرى والقرى بسبب ارتفاع تكاليف السكن في المدن الكبرى، كما أن
تكاليف السكن بالنسبة للطلبة أصبح جد مكلف للأسر، وبالتالي فصعوبات الولوج للسكن
في المراكز الحضرية الكبرى أساسا هي من الأسباب العميقة للفقر والهشاشة، وغلاء
السكن سواء المعد للكراء أو البيع هو من أسباب توقف المصعد الاجتماعي.
يتكلم البرنامج الحكومي في توجهه
الرابع عن تطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات
الرئيسية ومنها السكن ويكرس التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والأجيال والجهات.
كما تلتزم الحكومة بضمان التمتع بالجيل الجديد من الحقوق ومن ضمنها الحق في السكن
اللائق والعيش الكريم وتوفير العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق (..) وإطار عيش
يساهم في التوزيع العادل للثروات. وفيما يتعلق بمجال السكنى، ستعمل الحكومة –حسب
برنامجها دائما- على تقليص العجز السكني من 840 ألف وحدة إلى 400 ألف وحدة.
وحسب قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء، فقد شددت المذكرة
الإطار لمشروع القانون المالي لسنة 2015 على تحسين شروط الحصول على السكن
اللائق، وذلك بوضع استراتيجيات تهم تدبير المجال الحضري ووضع سياسة للاستجابة
لحاجيات التطور الطبيعي للمدن، ومضاعفة الجهود لتكثيف وتنويع العرض السكني.
إلى جانب هذه الالتزامات
السياسية، هناك سياق اقتصادي مساعد، حيث أن الحكومة الحالية توجد في وضعية
"اختناق مالي"، والإجراء المقترح لن يكلف مالية الدولة درهما واحدا،
بل سيوفر موارد إضافية، وسيساهم في تعزيز الولوج إلى السكن اللائق وسد العجز، في
المدن الكبرى خاصة.
وحسب تصريحات صحفية سابقة للسيد وزير السكنى وسياسة المدينة المحترم
فمن بين 800 ألف مسكن فارغ لا يعرض منها للكراء إلا 160 ألف، بينما تتحدث أرقام
أخرى عن رقم مليون سكن فارغ. هذا وتأكد مصادر برلمانية أن هذه الضريبة من شأنها أن
توفر ما يزيد عن 2 مليار درهم سنويا.
كما تعتبر فرصة الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2015 فرصة
مواتية أمام الحكومة أو البرلمان قصد تمرير هذا الإجراء الضريبي.
ما الحل أمام ندرة المساكن وغلائها في المدن؟
يرجع عدم تضريب المساكن الفارغة والثانوية
لعدم وجود مرجع قانوني، مما يفوت على الدولة مداخيل مهمة قد تساهم في تنشيط
الاقتصاد وتحسين الخدمات الاجتماعية.
تتزايد أعداد الأسر (بالمعنى الواسع لكلمة أسرة) بالمدن الكبيرة،
خاصة الأسر محدودة الدخل، في مقابل قلة المساكن وغلائها، هذا يعني أننا أمام وضعية
ندرة العرض أمام ارتفاع الطلب على السكن، وبالتالي الغلاء،
وغالبا ما تكون
التكاليف المرتفعة للسكن ذات أثر مدمر يجعل الناس غير قادرين على الإنفاق على الاحتياجات
الأساسية الأخرى، بما في ذلك
الصحة والغذاء
والتعليم وبالتالي استدامة أوضاع الفقر والهشاشة، وتقويض الأوضاع العائلية والاجتماعية
والصحية.
إن تضريب المساكن الفارغة في المدن الكبرى
أساسا سيساهم في رفع مداخيل الدولة التي يمكن أن تستغل في تجويد الخدمات
الاجتماعية، خاصة ما تعلق بخدمات السكن الموجهة لذوي الدخل المحدود أو محاربة
السكن غير اللائق أو الاعتناء بالمدن العتيقة. كما سيعزز العرض عبر تحفيز الملاك
على البيع والكراء وبالتالي تحفيز النشاط الاقتصادي، مما سيخفض الأثمان، ويقوي
الشعور بالاستقرار ويعزز القدرة على الخروج من دائرة الفقر والهشاشة.
هناك بعض المخاطر/الآثار التي قد تعترض
الاقتراح، وهي تراجع حركة البناء في المدن المعنية. عموما يبقى هذا محدود التأثير،
خصوصا أمام الآثار الأخرى الايجابية، ويمكن التفكير في التعامل معه عبر رفع قيمة
الضريبة على الأراضي غير المبنية داخل المدار الحضري وتفعيل تحصيلها. كما قد يؤدي
إلى توقف شراء الجالية المغربية للمساكن، وهو ما يمكن تفاديه بإعفاء هذه الفئة.
للاستئناس، فإن تجارب مقارنة في فرنسا
مثلا قد طبقت هذا الإصلاح في المناطق التي تعرف انعدام توازن بين
العرض والطلب، وكان له مردودية اقتصادية واجتماعية، كما
ساهم في تقوية الشعور العام بالتماسك والتضامن.
تضريب المساكن الفارغة: مع أم ضد؟
سياسة تعبئة المساكن الفارغة والثانوية
عبر إجراء التضريب سيجد له مساندين كثر، كما قد يبعث معارضين له.
ملاك المساكن الثانوية والفارغة سيشاركون
في هذه السياسة المقترحة عبر دفع ضرائب أو عبر بيع مساكنهم أو كرائها. صحيح أن هذا
الإجراء سيضيف عليهم تكاليف مالية مما قد يدفعهم إلى مقاومة مسلسل إقرار هذه
السياسة، خاصة أن معظمهم من الأطر العليا والبرجوازية التي لها امتداداتها في عالم
السياسة والاقتصاد، لكن يبدو محسوما أنه مهما بلغت هذه التكاليف فهي لن تؤدي إلى
إفقار هذه الفئة. وهي بكل حال من الأحوال، مطالبة باستحضار روح المواطنة وبأن
الاعتمادات المستخلصة ستساهم في تحسين الخدمات العمومية.
سيساهم كل من البرلمان بالتشريع والحكومة
بالتنفيذ بما يمكن من تحصيل مداخيل جبائية إضافية وتعزيز العرض بخصوص السكن في
المدن، لكن يخشى أن يتأثر البرلمان والحكومة باللوبيات المقاومة، أو أن تنبعث
مقاومات ذاتية إذا كان معدو هذه السياسة في البرلمان والحكومة من أصحاب المساكن
الثانوية.
دائرة أصحاب المصلحة المباشرة تبدو واسعة
وتضم الأسر الجديدة والأفراد المستقلين والطلبة والموظفين. إنها الحلقة الأضعف
التي ينتظر أن تستفيد عبر تسهيل الولوج للسكن اللائق بكلفة أقل، وبالتالي النجاة
من براثن الفقر والهشاشة والاعتلال.
هناك معنيون بشكل غير مباشر بالمشكل وبالحل
المقترح، إنهم أصحاب الأراضي غير المبنية داخل المدن والمنعشون العقاريون. ولا شك
أنهم يتذكرون الامتيازات التي حظوا بها من طرف الحكومات المتعاقبة دون أن يؤدي ذلك
إلى تخفيض كلفة السكن، ولا شك أنهم واعون اليوم أن أي إجراء يروم تخفيض الكلفة
وتعزيز العرض وتوفير فرص السكن اللائق لفئات مجتمعية هشة هو إجراء جد مبرر.
ينتظر أن تساند جمعيات حقوق المستهلك
ومنظمات الطلاب والنقابات العمالية والأحزاب ذات المرجعية اليسارية هذا المقترح،
ما ينقص هو قليل من الضغط والتعبئة والترافع والضجيج.
على سبيل الختم
إن مشكل صعوبات الولوج للسكن اللائق في
المراكز الحضرية الكبرى من طرف الأسر الجديدة والفئات الهشة خصوصا هو بسب قلة المساكن
وغلائها. ومن الواضح اليوم أن هذه الوضعية تنتج العديد من الآثار المدمرة على
مستوى الصحة والتعليم والغذاء ومستوى عيش الأسر واستدامة فقرها وهشاشتها. ومقترح
تعبئة المساكن الفارغة والثانوية عبر إجراء التضريب من أجل سد هذه الحاجة هو مقترح
وجيه يستحق أن نخوض من أجله معركة نبيلة، قد تتطلب جولات متعددة، بإشراك المجتمع
وأصحاب المصلحة. وهو إجراء له رمزية خاصة تروم تقوية التماسك الاجتماعي وتحقيق
العدالة الاجتماعية.
* مدافع عن حقوق الإنسان ومهتم بالسياسات
الاجتماعية
للتواصل: zohair.maazi@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق