الخميس، 18 نوفمبر 2010

ماذا جرى في الصحراء الغربية موضوع النزاع بين البوليزاريو والمغرب؟



محاولة للفهم والاستنتاج
                                                                     
تقرير وملاحظة: زهير ماعزي

 
كانت الصحراء المغربية موضع النزاع المعروف بين جبهة البوليزاريو الانفصالية والمغرب منذ حوالي شهرين موقعا للعديد من الأحداث، فقد انتقل المئات من الصحراويين إلى ضاحية مدينة العيون من أجل نصب مخيم. كانت أولى الأنباء تشير إلى أن لأصحاب الخيام مطالب اجتماعية واقتصادية حول الشغل والسكن والاستفادة من بطائق الإنعاش الوطني.

إذن، فالملف كان يضم مطالب حقوق اقتصادية واجتماعية. هذا ما يستشف من البلاغات الرسمية والتحقيقات الصحفية وإنتاجات المدونين وشهادات سكان المخيم التي نقلها التلفزيون المغربي والصحافة المغربية.
وهذا أيضا ما بلغ إلى علمنا من طرف فاعلين مدنيين وسياسيين شباب في منطقة الصحراء. نفس المصادر انتقدت سياسة الكيل بمكيالين التي تتعامل بها السلطات المغربية مع مواطنيها في الجنوب، وسياسة الانتقائية ومحاباة العائدين وتوزيع الامتيازات عليهم، في مقابل إهمال سكان العيون الأصليين، وقالوا أن عملية تنمية المنطقة يجب أن تكون شاملة.
بجانب هذا المعطى، كانت هناك مؤشرات أخرى توحي بأن النشطاء الانفصاليين غير بعيدين، ولا بد أن يحاولوا تسييس الملف. من هذه المؤشرات توقيت نصب المخيم الذي تزامن مع زيارة المبعوث الأممي لقضية الصحراء للمنطقة، واقتراب موعد جولة المفاوضات بين البوليزاريو والمغرب، وكذلك رفض إنهاء الاحتجاج رغم أن السلطات المغربية أبدت تجاوبا مع المطالب.
بعد ذلك، ستعمد السلطات المغربية على فك المخيم بالقوة، لتنطلق بعدها احتجاجات قوية في مدينة العيون قادها الشباب الانفصالي. مشاهد ما بعد الاحتجاج تظهر الدمار الرهيب الذي حدث.
وانطلاقا من حجم الاحتجاج وطريقته وطبيعة المراكز المستهدفة بالتخريب والنهب والإحراق سواء العامة أو الخاصة، وشهادات ما بعد الأحداث، ومقاطع الفيديو سواء التي نشرها النشطاء أو التي بثتها السلطات المغربية، نسجل بعض الملاحظات:
·        حرب المعلومة كانت مستعرة بين النشطاء والسلطات المغربية. ويتضح أن النشطاء اعتمدوا أنباء غير مؤكدة نشرها إعلام البوليزاريو، مدعوما ببعض وسائل الإعلام الإسباني والجزائري حول سقوط ضحايا مدنيين أثناء تفكيك المخيم. والغاية الواضحة هي شحن الشباب وتعبئة الساكنة عبر خطابات التضخيم والتحريض وبث النعرات القبلية. وهو الشيء الذي لم يقع إثباته إلى حد الآن (وقوع العشرات من الضحايا المدنيين جثتهم تملأ الشوارع)، لكن الثابت هو وجود قنوات اتصال بين نشطاء في الداخل وإعلام البوليزاريو في الخارج.
·        ثبوت استعمال صور لجرائم إسرائيلية في حق أطفال غزة، وصورة لجريمة بشعة في إطار الحق العام شهدتها مدينة الدار البيضاء المغربية وسبق أن نشرتها جريدة الأحداث المغربية، من طرف النشطاء الانفصاليين وبعض الإعلام الإسباني يطرح من جديد سؤال أخلاقيات مهنة الصحافة، بينما تقول الحكومة المغربية أنه "تواطؤ".
·        تحسن نسبي في طريقة تعامل الدولة المغربية مع الملف من الناحية الإعلامية، فهي لم تعمد إلى سياسة التعتيم كما كان عليه الحال سابقا في وجه الاضطرابات الاجتماعية، وسمحت بنقاش عمومي شمل حتى قبة البرلمان، ووفرت معلومات مدعومة بصور وفيديوهات وتصاريح شبه يومية لوزير الاتصال المغربي الناطق الرسمي باسم الحكومة. رغم ذلك، لم تصل إلا مرتبة الكمال، فهي لم تسمح بزيارات بعض الشخصيات الخارجية المعروفة بمساندتها للطرح الانفصالي ولا يبدو أنها مستعدة بعد لطرح وجهات الأطراف الأخرى. ييبب
·        وجود نوع من التنسيق والتنظيم والاتصال عالي المستوى بين المحتجين في المدينة والمخيم. لا بد أنه يحتاج لوسائل مادية ضخمة لا يمكن توفيرها بالتبرعات الفردية فقط.
·        حجم الاحتجاج وطريقة إدارته وتنسيقه والوسائل المستعملة (قنينات غاز، مواد قابلة للتفجير، سيارات رباعية الدفع، أسلحة بيضاء استعملها المحتجون موثقة بالصوت والصورة، الألبسة العسكرية، ذبح رجال الأمن المغاربة والتبول على جثتهم..) كلها تشير إلى أن القوات المغربية لم تكن في مواجهة حركة احتجاجية وشباب غاضب فقط، ولكن أمام عناصر مدربة تدريبات شبه عسكرية قد تكون متعودة على القتل، أغلب الظن أنهم من العائدين من مخيمات تندوف الجزائرية، يزكي هذه الفرضية حديث سابق للانفصاليين حول خلق "بوليزاريو الداخل" لإحراج المغرب عبر استغلال الهامش الديمقراطي والانفراج النسبي الذي تشهده المملكة في مجال حقوق الإنسان.
·        لم يثبت أن السلطات المغربية أطلقت ولو رصاصة واحدة، وتتحدث عن أن التدخل كان بدون استعمال أسلحة. وتروم الاستراتيجية المغربية تفادي استعمال القوة المفرطة وبالتالي تفادي الانتقادات الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان. إلى حد كتابة هذه السطور، بلغت حصيلة الضحايا أحد عشر من رجال الأمن والوقاية المدنية وضحيتان مدنيتان قالت السلطات المغربية أن إحداهما مات نتيجة لصدمه من طرف سيارة مسرعة والثانية نتيجة مشاكل في التنفس.
إن ما حدث في المناطق الجنوبية للمملكة تجب قراءته في سياقه الدولي، وبواقعية، مع مراعاة المصالح الإستراتيجية لشعوب منطقة المغرب العربي الكبير، ولحقوقها التاريخية في الوحدة والاندماج وتحقيق التنمية والديمقراطية. مع الأخذ بعين الاعتبار درجة تطور كل المتدخلين في الملف.
وهو أيضا يطرح علينا في المغرب كنشطاء حقوق إنسان ومجتمع مدني وفاعلين سياسيين أسئلة تتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة والإعلام والديمقراطية، والتعبئة من أجل تعزيز التحول الجاري حاليا في المغرب وعدم السماح بأي نكوص حقوقي محتمل يكون من مظاهره استعمال النزعة الانفصالية وحركات الاحتجاج لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب.جلا  

الأحد، 7 نوفمبر 2010

طيف الشهيد فضيل أبركان يحوم حول البرلمان المغربي

حين يتحول جهاز الأمن في المملكة المغربية إلى جهاز للقتل، حين تتحول مخافر الشرطة من مكان لحماية المظلومين إلى مجزرة للبشر، وحين يتم إحياء معتقلات التعذيب السرية في سلا، وحين يتحول الشرطي ابن الشعب الذي يقبض مرتبه من أموال دافعي الضرائب من أبناء الشعب إلى مجرد آلة ميكانيكية لقتل أبناء الشعب، حين يحدث هذا في دولة تتغنى كل يوم بطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ويذكرنا ملكها بمشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي كل خطاب ملكي ويعيده على مسامعنا أكثر حتى من عبارة “شعبي العزيز” وجملة البسملة، حين يحدث هذا في حكومة نصف أعضائها من ضحايا سنوات الرصاص وتشارك فيها أحزاب الحركة الوطنية والتقدمية والجبهة الحداثية، حين يحدث كل هذا لا أستطيع منع القليل من اليأس من تسرب إلى داخلي، ومن تخيل ماركس وتروتسكي يمسكان باذناي ويهمسان لي بسؤال استنكاري: متى ستصدق أن الدولة هي مجرد جهاز للقمع والضبط؟ وعبد اللطيف حسني وهو يرمقني بعينه التي لا يستطيع الزجاج منع سخريتها من الوصول إلي لتقول وجهات نظر حول احتواء النخبة وخواء السياسة.
أمام كل هذا لا أستطيع إلا الاعتراف الذي أتمناه شجاعا بأني ضحية التشويش والشك، لا أحتفظ إلا بفكرة يقينية واحدة  وهي ضرورة مسائلة “نظرية” الانتقال الديمقراطي ودور الحركة الديمقراطية الحداثية خصوصا تلك المتواجدة في موقع المشاركة النسبية في مواقع صنع القرار السياسي.
الدافع لما سبق هو تصعيد منظمة الشبيبة الاتحادية فرع المريسة بمدينة سلا المغربية لحملتها من أجل كشف الحقيقة الكاملة ومحاكمة قتلة الشهيد فضيل أبركان الذي كان معروفا بنشاطه النضالي ضمن صفوف الشبيبة الاتحادية بسلا وسبق أن كان مداوما في المقر. وحتى الآن، قامت الشبيبة الاتحادية بإصدار بيانات ولقاءات مع عائلة الشهيد من أجل تنوير الرأي العام وتكثيف الحملة الإعلامية عبر الصحف الورقية والإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي وتنظيم وقفتين احتجاجيتين الأولى أمام مقر الأمن المغربي بسلا والثانية أمام البرلمان المغربي يومه اللإثنين 25 أكتوبر 2010.
وكشاب مغربي مناضل في صفوف الشبيبة الاتحادية وكناشط من أجل حقوق الإنسان ومطالب بالديمقراطية لا أستطيع إلا أن أندد بهذا العمل الجبان وأن أساند فرع المريسة في مطالبه وحملته، وأن أدلي بالتساؤلات والملاحظات التالية:
  1. الانتقال من وقفة احتجاجية عارمة بمدينة الشهيد إلى وقفة وطنية ناجحة بالعاصمة وأمام البرلمان يؤكد أن الملف لا يلقى تجاوبا من طرف السلطات المغربية، فلا بيانات صدرت ولا تحقيقا فتح. ويؤشر على انتقال المعركة من مستواها المحلي إلى المستوى الوطني. ويحيلنا إلى تسائلين رئيسيين أولهما حول درجة التعبئة الوطنية لهذه الحملة في صفوف الشبيبة الاتحادية ودور مؤسسة المكتب الوطني (ولا أتكلم هنا عن أعضائه كأفراد)، وعن المسؤولية على المستوى الوطني لجهاز الأمن المغربي والحكومة المغربية ككل.
  2. المرحوم كان ناشطا في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان في إحدى الفترات مداوما في المقر. لكن باستثناء مبادرات شبيبته وتغطية أذرعه الإعلامية الفرانكوفونية أساسا للحملة يلوذ الحزب “الرسمي” بصمت رهيب يؤرق عائلة الفقيد ويحرج شبيبته ويقلق المتابعين. فهل هو الحرج من تهمة البداية أم الحرج من موقع الحزب كمشارك في الحكومة وتفويض الملف بالكامل إلى الشبيبة الإتحادية من أجل التنفيس عن الحزب، أم أنه علامة من علامات التحول اليميني، أم أنه موقف مؤقت سرعان ما سيتم تداركه كما نتمنى ونعمل عليه؟
  3. هناك شبه إجماع على أن انتهاكات حقوق الإنسان تناقصت ولم تعد ممنهجة كما في السابق، لكن هذه الحادثة تؤكد على ضرورة استمرار التعبئة والتجند من أجل مواجهة الانتهاكات ونشر ثقافة حقوق الإنسان بين صفوف الشعب عامة وبين صفوف رجال الأمن والإدارة والموظفين العموميين خاصة.
  4. ضرورة استغلال الهامش الديمقراطي والمكتسبات الحقوقية الجزئية التي تحققت بعيد مشاركة المعارضة السابقة في الحكم وتولي الملك محمد السادس الحكم والعرش، والوقوف بحزم أمام كل كل نكوص محتمل والوعي بأن المكتسبات الحالية هي مجرد منحة لم يجر بعد تأصيلها ومأسستها ودسترتها.
  5. انتقال المعركة من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني يفرض شروطا من قبيل تعبئة الجميع أفرادا وهيئات مدنية وشبابية وحقوقية وديمقراطية من أجل كشف الحقيقة، وهي مناسبة من أجل كشف زيف بعض الذين يدعون مساندتهم لحقوق الإنسان ويتلونون بصفة “ديمقراطي”، وهي الحد الفاصل بين الديمقراطيين الحقيقيين وديمقراطيي الزيف والوهم، وبين المدافعين عن دولة تحترم حقوق الإنسان وبين من يبررون انتهاكات الدولة لحقوق الإنسان.